المحتويات
مقدمة
هل تخيلت يومًا أن تشتري شركةً بملايين الجنيهات، ثم تكتشف بعد الصفقة أن هناك ديونًا خفية، أو دعاوى قضائية معلقة، أو شريكًا غائبًا عن الصورة لكنه يمتلك صلاحيات قاتلة؟ هذا السيناريو الكارثي هو ما يسعى “الفحص النافي للجهالة” إلى تجنبه.
ما هو الفحص النافي للجهالة؟
“الفحص النافي للجهالة” أو Due Diligence هو عملية فحص شاملة تقوم بها الجهة الراغبة في شراء أو الاستثمار في كيان معين (شركة، عقار، أصل تجاري، مشروع…) للتأكد من صحة المعلومات المقدمة من الطرف الآخر، والكشف عن أي مخاطر قانونية، مالية، أو تشغيلية خفية.
هذه العملية ليست ترفًا، بل هي إجراء جوهري في صفقات الاستحواذ والاندماج والتمويل، وهي الخط الفاصل بين صفقة ناجحة وصفقة قد تؤدي إلى كارثة مالية أو قانونية.
أنواع الفحص النافي للجهالة
ينقسم الفحص عادة إلى عدة محاور:
- الفحص المالي:
- مراجعة القوائم المالية (آخر 3 إلى 5 سنوات).
- تحليل التدفقات النقدية، والمراكز المالية، ومؤشرات الربحية.
- التأكد من الالتزام بالمعايير المحاسبية المصرية أو الدولية (IFRS أو المعايير المصرية EAS).
- الفحص القانوني:
- مراجعة العقود المبرمة مع العملاء والموردين.
- مراجعة التراخيص والسجلات التجارية والعلامات التجارية.
- دراسة الدعاوى القضائية المرفوعة من أو ضد الشركة.
- التحقق من هيكل الملكية وصحة الحصص والأسهم.
- الفحص الضريبي:
- التحقق من موقف الشركة الضريبي.
- مراجعة الإقرارات الضريبية وسجلات الفحص السابقة.
- الكشف عن أي غرامات أو نزاعات ضريبية محتملة.
- الفحص الفني والتشغيلي )حسب النشاط:(
- حالة الأصول الثابتة وخطوط الإنتاج.
- التوافق مع معايير الجودة.
- تقييم فريق العمل ومهاراته وخطط الموارد البشرية.
ما الهدف من الفحص النافي للجهالة؟
- خفض المخاطر: التعرف على المشاكل قبل التورط فيها.
- التفاوض العادل: الفحص يعطي للمشتري قوة تفاوضية لتعديل السعر أو شروط العقد.
- الامتثال القانوني: التأكد من أن الكيان لا يخالف القانون، مما قد يهدد استمراره.
- تحديد الالتزامات المستقبلية: مثل ديون آجلة، أو التزامات تعاقدية، أو دعاوى مهددة.
هل هناك قوانين تحكم الفحص النافي للجهالة في مصر؟
رغم أنه لا يوجد قانون منفصل في مصر ينظم الفحص النافي للجهالة، إلا أن هناك نصوص قانونية متفرقة تحكم مسائله، منها:
- القانون المدني المصري )مواد الغش والتدليس:(
إذا تم إخفاء معلومات جوهرية تؤثر في قرار التعاقد، فإن العقد يصبح قابلًا للإبطال.
- قانون سوق المال رقم 95 لسنة 1992:
يلزم الشركات المقيدة بالبورصة بالإفصاح الكامل عند الاندماج أو الاستحواذ، وهو ما يفرض شفافية تسهل مهمة الفحص.
- قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 ولائحته التنفيذية:
ينظم الإعلانات والإفصاحات عند التأسيس والتعديلات الهيكلية، وهي مواد يستند إليها الفحص القانوني.
المعايير المحاسبية المرتبطة بالفحص النافي للجهالة
- المعيار المصري رقم 1 (عرض القوائم المالية):
يعرض الشكل العام للقوائم المالية، التي يعتمد عليها الفحص المالي.
- المعيار المصري رقم 13 (الأحداث اللاحقة لتاريخ الميزانية):
يُلزم بالإفصاح عن أي أحداث جوهرية بعد إعداد القوائم، وهي معلومات حساسة في الفحص.
- المعيار المصري رقم 24 (الإفصاح عن الأطراف ذات العلاقة):
يكشف عن المعاملات مع كيانات أو أفراد ذوي تأثير على قرارات الشركة.
- المعيار المصري رقم 29 (أدوات مالية: العرض والإفصاح):
ضروري لفهم الالتزامات المالية للشركة.
متى يجب إجراء الفحص؟
- قبل توقيع أي عقد ملزم أو دفع مقدم شراء.
- عند تقييم شركة لعرضها في البورصة.
- في حال استثمار خارجي (VC) أو مستثمر استراتيجي.
- في صفقات التمويل الكبيرة (القروض طويلة الأجل).
من الذي يجري الفحص؟
يتم تشكيل فريق مشترك من:
- محامين متخصصين: للفحص القانوني.
- محاسبين قانونيين أو مدققين ماليين: للفحص المالي.
- مستشارين ضريبيين.
- خبراء فنيين (حسب النشاط: صناعي، تكنولوجي ….)
الفحص أداة ثقة
قد يشعر بعض أصحاب الشركات بأن الفحص النافي للجهالة نوع من التشكيك أو “النبش”، لكنه في الحقيقة آلية بناء ثقة بين الطرفين. الطرف الذي يخفي معلومات أو يتردد في فتح دفاتره، يُعد محل ريبة. أما الشفافية فتعني أن الشركة جديرة بالثقة ومستعدة لأي تقييم.
لا صفقة بدون فحص
في عالم المال والأعمال، القرارات الخاطئة لا ترحم. والمخاطر غير المحسوبة قد تتحول إلى قضايا نزاع طويلة أو خسائر فادحة. لذلك، يبقى الفحص النافي للجهالة صمام أمان لكل من يغامر في صفقات الشراء أو الاستثمار.
